سمعنا مؤخرًا عن تحويل كنيسة آيا صوفيا في تركيا الى مسجدًا، وقد سبب هذا القرار التركي ضجة اعلامية كبيرة في بلادنا العربية وحتى في دول الغرب والعالم.
فهناك من هَلَّل وبارك لهذا القرار التركي، واعتبره انجاز كبير وانتصار هام جدًا للأمة، لانه قرار يحمل بطياته ابعاد ونفوذ سياسية، دينية، أجتماعية وأقتصادية ايضًا. وهناك من اعتبره تعدي بل وتطاول ايضًا على المقدسات المسيحية، ودعى للاستنكار المطلق لهذا القرار حتى لمقاطعة تركيا في كل مجالات الحياة.
هل كانت آيا صوفيا في الاصل مسجدًا؟ متحفًا او كنيسة؟ ماذا يشهد به التاريخ عن هذا المكان؟ ما الذي تشهد به الايقونات والصور التي تملأ الجدران والمكان؟ كذلك نتساءل ما هو الدافع الحقيقي للسلطات التركية بهذا القرار؟ ولماذا في هذا الوقت خاصة من غيره؟
وكل من أيد هذا القرار من رؤساء ومسؤولين من دول اخرى، ما كان دافعهم ولماذا يُؤيدون قرار مثل هذا؟ وكل "اصحاب الحق" هؤلاء، هل كانوا يوافقون مثلًا على تحويل مسجد في روما او مدريد او باريس الى كنيسة؟
نقرأ في الكتاب المقدس في سفر أخبار الايام الثاني صلاة سليمان الملك الحكيم، وتساؤل الملك:
"هل يسكن الله حقًّا مع الانسان على الارض؟" (2 أخ 6: 18). هل الله تهمه المباني الضخمة والفخمة المليئة بالذهب والتماثيل والصور؟ الم يقل الرب يسوع لتلاميذه انه لن يبقى حجر على حجر من الهيكل العظيم في اورشليم؟
ألم يقل الرب يسوع انه متى اجتمع اثنين او ثلاثة باسمي اكون في وسطهم؟ لا يهم اين وكيف وفي اي وقت، لكن ما يهم الرب يسوع هو العبادة الحقيقية بالروح والحق، لان الله الآب طالب مثل هؤلاء. فاين الافتخار؟ وما هو الانتصار؟ بالحجارة والمباني والقصور، ام بقلوب خاشعة، وديعة ومتواضعة تطلب الرب بحق ونعمة؟
انه لامر محزن جدًا، كيف نرى الملايين يتبعون هذه الامور الثانوية، ويتركون رب الحياة، اله الارواح، النفوس والاجساد، هؤلاء الذين استبدلوا حق الله بالكذب، واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق، (بل وعبدوا الحجر دون الخالق) الذي هو مبارك الى الابد، آمين (رومية 25:1).
هل نسينا بولس عندما احتدَّت روحه فيه، عندما رأى مدينة اثينا مملُؤة أصنامًا؟ وها في ايامنا هذه نرى أصنامًا كثيرة في "معابد" كثيرة في العالم، واخطر ما في الامر ان يُصبح المكان الذي نصلي به صنمًا، ونفتخر بفخامته وغناه وجماله الخارجي، ونسينا ان الاله الذي خلق العالم وكل ما فيه، اذ هو رب السماء والارض، لا يسكن في هياكل مصنوعة بالايادي، ولا يُخدَم بايادي الناس كانه محتاج الى شيء، اذ هو يُعطي الجميع حياةً ونفسًا وكل شيء (اعمال الرسل 24:17)، لكي يطلبوا الله لعلهم يتلمَّسونه فيجدوه، مع انه عن كل واحد منا ليس بعيدًا، لاننا به نحيا ونتحرك ونوجد. فاذ نحن ذرية الله، لا ينبغي ان نظن ان اللاهوت شبيه بذهب او فضة او حجر نقش صناعة واختراع انسان، فان الله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا، متغاضيًا عن ازمنة الجهل.
وعد الرب يسوع انه بعد صعوده الى السماء، سوف يرسل للتلاميذ المعزي الآخر اي الروح القدس، الذي لن يكون فقط معهم بل وساكن فيهم. وهذا الوعد تحقق يوم الخمسين، عندما حل الروح القدس على التلاميذ، واصبحوا هم هياكل للروح القدس، لان الحياة افضل من الطعام، والجسد افضل من اللباس، والله لا تهمه الهياكل المصنوعة بايادي الناس كما قرأنا، بل تهمه القلوب والافكار، تهمه النفوس الهالكة والارواح الميتة في الخطايا والشرور، لذلك ارسل الله روحه في قلوبنا لكي نصرخ يا ابا الآب، ولكي يقدسنا شعبًا له وحده، ليس لاننا ننتمي الى مكان فخم وبارع الجمال مثل آيا صوفيا، بل لاننا طلبنا آية من نوع آخر، ليست آية من صنع ايدي البشر، بل انها آية من صنع الله، لان هذا الجيل الشرير يطلب آية، ولا تُعطى له آية الَّا آية يونان، لانه كما كان يونان آية لاهل نينوى، كذلك يكون ابن الانسان (يسوع المسيح) ايضًا لهذا الجيل.
لانه في وسطنا من هو اعظم من يونان الذي نادى بخلاص نينوى، كذلك هو اعظم من سليمان وحكمته، الذي اتت ملكة التيمن لتسمع لحكمته من اقاصي الارض! (لوقا 29:11).
نعم هو اعظم من يونان وسليمان وكل الانبياء والملوك، انه يسوع المسيح المخلص والرب، الذي اوصانا بان لا تضطرب قلوبنا، لاننا نؤمن بالله وبه، وهو من خبر انه في بيت ابي منازل كثيرة، انا امضي لاعد لكم مكانًا، وان مضيت واعددت لكم مكانًا آتي وآخذكم الي، حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضًا. (يوحنا 1:14). وهو يسوع الذي خبر وقال: "ان احبني احد يحفظ كلامي، ويحبه ابي، واليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا" (يوحنا 23:14).
من نطلب نحن في هذه الايام الشريرة الظالمة؟ نطلب "آية" من صنع البشر، اساسها ارضي ومادي، تسبب العداوة والخصام بين الناس، وفي النهاية تؤدي الى الموت والهلاك الابدي، ام آية من صنع الله الآب القدوس، التي تجلت على عود الصليب، بموت يسوع المسيح ابن الله لغفران الخطايا، وقيامته من بين الاموات لتبرير من يؤمن به؟