رأينا في المقالة السابقة كيف حفظ الله كلمته بالرغم من امكانية حدوث أخطاء اثناء عملية النسخ، وعلى هذا الاساس نستذكر قصه سنوات الجوع التي قضى بها الله على المملكة التي حكمها الملك داود، هل هي 7 سنوات جوع كما ورد في 2 صموئيل 24 : 13 أم 3 سنوات جوع كما ورد في 1 اخبار 21 : 12؟
عزيزي القارئ، نسخ اسفار الكتاب التي كانت على اوراق البردى او رقوق جلد الحيوان لم تكن بطريقة التلفون جيم (التلفون المكسور)، أي ان أحدهم ينسخ ويعطي الذي بعده ما نسخه والذي بعده يعطي للذي بعده وهكذا الى ان وصل الينا. فلو حصل خطأ أثناء نسخ أول عمليات نسخ الكتاب فسيصل الخطأ تباعا الى اخر نسخة، وحينئذ لن نعلم أين حصل الخطأ لتداركه، الا اذا حصلنا على المخطوطة الاصلية التى كتبها الكاتب بالروح القدس. فلو كان النسخ يتم بهذه الطريقة مع اعدام النسخ الاصلية لكان لدينا شك كبير في دقة ما وصل الينا. (انظر عمليه النسخ في الصورة رقم (1) بطريقة التلفون المكسور وهي طريقة لم تُستعمل في نسخ أسفار الكتاب)
صورة رقم (1) – وهو يمثل الاعتقاد الخاطئ في كيفية نسخ اسفار الكتاب المقدس.
لقد تم نسخ أسفار الكتاب بطريقة الشجرة المخطوطية، أي أنه يتم كتابة نُسخ كثيرة من المخطوطة الأصلية في الوقت نفسه، ليس هذا فقط، فقد كان للعهد الجديد 5 انواع من النصوص المنسوخة منها مثلا النص البيزنطى والنص الغربي والنص الاسكندراني ( انظر صورة رقم 2 و 3 ).
اذا افترضنا حدث خطأ اثناء عملية النسخ في احدى المخطوطات وهو المبين بالصورة رقم (2) بعلامة اكس (x) فمن الطبيعي ان الخطأ لن يحدث في المخطوطات الاخرى التى تسير في مسارات مختلفة. اذا حصلنا على هذه المخطوطات بالاكتشافات الأثرية وقارنّا بينها يمكننا التحقق بدقة من القراءة الصحيحة ومعرفه أين وقع خطأ النسخ الذي حصل في احدى المخطوطات ( انظر الشكل رقم (3) لترى مسارات النسخ وكيف يمكن التحقق من الخطأ وتداركه لوجود اكثر من شاهد للقراءة الصحيحة) .
(صورة رقم (2) تشرح كيف كان يتم نسخ مخطوطات الكتاب)
(الصورة رقم 3 تُظهر وجود اكثر من نوع لنصوص العهد الجديد وكيفية مقارنتها عن طريق اكثر من 24 الف مخطوطة تتبع 5 مدارس للنص يمكن الوصول بدقه الى القراءة الصحيحة).
يمكننا الان تطبيق ما قراناه على مثال عدد سنوات الجوع في زمن داود وستتبع في المقال القادم بالمزيد من الامثله:
- البرهان الداخلي في قصة داود يقول ان عدد سنوات الجوع من المحتمل ان تكون 3 سنوات. لماذا ؟ لان باقي الحكم هو الاختيار ما بين 3 شهور "هروب من امام الاعداء" و3 ايام "وباء" فواضح ان الله استخدم الرقم 3 وليس 7 ليكون الاختيار الثالث هو 3 سنوات جوع، وهذا ما هو مذكور في اخبار الايام الاول، وهذا يسمى في علم النقد النصي بالبرهان الداخلي.
دعونا نطبق موضوع شجرة المخطوطات للنص، ولهذا نسأل: هل لدينا شجرة مخطوطات لسفر صموئيل الثاني تساعدنا في فحص مخطوطات اخرى لنعرف اذا كان العدد الوارد بها هو (7) ام (3)؟ نعم لدينا النص السبعيني اليوناني (القرن الثالث قبل الميلاد)، اذا فتحنا النص سنرى ان عدد سنوات الجوع هناك مسجل (3) سنوات، اذن بمقارنة المخطوطات تحققنا ان العدد (7) ليس صحيحًا وقد حصل هذا الخطأ بسبب تشابه الحرف الذي يرمز للرقم (7) مع الحرف المعبر عن الرقم (3) ووصلنا الى القراءة الصحيحة. (اقرأ المقالة الاولى لمعرفة كيف كانت تكتب الارقام سابقا - بواسطة الحروف).
عزيزى الله لم يستخدم طرق معجزية لحظية للحفاظ على كلمته التي اعطاها للبشر بيد بشر وبقياده روحه القدوس. لقد حفظ الله كلمته رغم تكسيرها مرة على يد موسى، وعاد وكتبها من جديد، وقد حفظ كلمته رغم حرقها على يد الملك الشرير يهوياقيم وارجعها مره اخرى كما كانت. هو يسمح بالاخطاء البشريه ولكن لانها كلمته هو فهو المسؤول عن حفظها لكل الاجيال.. فبالرغم من حدوث اخطاء في النسخ الا انه اعطى المقدرة على تداركها ومعرفة القراءه الصحيحة، وكل هذه الاخطاء التي صنعها البشر لم توثر حتى لو استمرت على عقيدة كتابية واحدة فغالبيتها في الاعداد وفي العهد القديم.