ربما هذه القضية هي من أكثر القضايا هجومًا على المسيحية؛ فيُشوِّه الكثير من النقاد قدسيتها، حيث يحاولون أن يؤكدوا أن المسيحيين يؤمنون أن الله هو الذي مات على الصليب، لكي يستهزؤوا بهم ويقولوا لهم:
كيف يموت إلهكم؟ أي إله ضعيف هذا؟ وهل الله يموت!!؟؟...إلخ
وعندما نؤكد لهم أن جسد المسيح البشري المادي هو الذي مات، يحاولون بأيديهم وأسنانهم أن يبرهنوا لنا عكس هذا، بأن المسيحيين يؤمنون أن الله هو الذي مات!!
فما هو التحليل النقدي لهذه القضية؟ وماذا يُعَلِّم اللاهوت الكتابي من جهة موت المسيح؟؟
إن وحي العهد الجديد يؤكد بشكل قاطع أن الذي مات، هو جسد المسيح البشري، وليس اللاهوت:
" 18 فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ،" 1 بطرس 3.
هذه الآية واضحة وضوح الشمس، تؤكد أن موت المسيح كان في الجسد فقط، وليس في الروح أو في اللاهوت، لأن الله هو أيضًا روح وهو مُعطي الحياة، فكيف يموت!؟ "16 الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ.." 1 تيموثاوس 6.
وحتى إذا صلب أي إنسان عادي لا تصلب روحه معه؛ لأن الروح لا يصيبها أدوات القتل المادية، لأنها تتبع لعالم ونظام أخر غير مادي؛ كما أكد المسيح:
"28 وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ" متى 10. وهنا يؤكد أن القاتل، لا يقدر أن يقتل الروح (مشار لها بالنفس هنا).
فإذا كانت روح الإنسان لا تمت بالقتل والصلب، وليس للعالم المادي سلطان عليها، فكم بالحري الله الخالق مُعطي الحياة؟!
لذلك يؤكد الكتاب أيضًا أن المسيح دان خطايا البشر في جسده البشري فقط، الخالي من الخطية:
"لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ،" رومية 8: 3.
"24 الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ" 1 بطرس 2.
أيضًا يؤكد سفر العبرانيين أن ذبيحة الخطية تكمن في تقريب جسد المسيح، وذلك لمرة واحدة فقط في الفداء:
"5 لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ:«ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا ... 10 فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً...20 طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ" عبرانيين 10.
والمسيح أكد هذا للتلاميذ، حيث قال لهم في الليلة الأخيرة، أن الذبيحة التي سيقدمها لأجلهم، تكمن في جسد ودم المسيح: "24 خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي.. 25 ..هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي" 1 كورنثوس 11.
أيضًا هناك نصوص حتى تؤكد أن آلام المسيح كانت فقط في بشريته، وليس باللاهوت:
"7 الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ" عبرانيين 5.
"1 فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا بِالْجَسَدِ، تَسَلَّحُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهذِهِ النِّيَّةِ..." 1 بطرس 4.
افتراض النقاد أنه بما أن اللاهوت لم يفارق الناسوت وهذا صحيح؛ إذا اللاهوت مات أيضًا مع الناسوت!!!
إن هذا افتراض أيضًا مغلوط!! فهل إذا صُلب إنسان، وبعد موته بالطبع لم تمت روحه كما سبق وبيّنّا؛ هل هذا يعني أنه في أثناء الصلب (وهو بعد حي)، فارقته روحه كونها لم تصلب ولم تمت مع جسده!؟ ما هذا الفكر الغريب!؟ وهل إذا لم تفارقه روحه وهو بعد حي ساعة الموت، هذا يعني أن روحه صلبت أو ماتت معه؟؟!! كذلك اللاهوت لم يصلب ولم يمت، وفي نفس الوقت لم يفارق الناسوت؛ ما هي المشكلة بهذا !!؟؟
كل هذه الادعاءات ليس لها أي أساس منطقي!! فالكتاب يؤكد أن "الله روح" (يوحنا 4: 24)؛ وحتى لو صُلب الجسد، فلا تحتاج الروح أن تهرب من الصلب. لأنه كما قلنا الصلب يصيب فقط عالم المادة، ولا يصيب الروح ولا الله؛ وهذا لا يعني طبعًا أن اللاهوت فارق الناسوت أثناء علمية الصلب. فكل هذه افتراضات مغلوطة يضلهم بها الشيطان عن أهم حقيقة لتحديد مصيرهم الأبدي؛ لكي لا يقبلوا يد الله الممتدة لهم لتنقذهم من هلاكهم، من خلال كفارة المسيح المُخلِّص.
ألا يتطلب الفداء جسد إله غير محدود، لكي يحقق كفارة غير محدودة قادرة على خلاص كل البشرية؟؟
عدد من النقاد يثيرون هذا السؤال، أيضًا لكي يبرهنوا مرة أخرى، أن الذي مات هو الله!! فيقولون أنه كيف يقدم جسد مادي بشري محدود، ويقدر أن يخلص كل البشرية؟؟ لا بد من الكفارة أن تُحمل بجسد إله غير محدود، لكي تكفر عن كل خطايا البشر غير المحدودة.
الرد: إن الناقد يعتبر أنه بما أن جسد المسيح كان بشري، يُعتبر غير كافي للتكفير عن خطايا جميع البشر!! لكن هذا ليس صحيحًا، لأن جسد المسيح هو نعم بشري، لكنه ليس جسد عادي كباقي البشر؛ وذلك لسببين:
الأول: هو الجسد الوحيد الذي عاش في العالم الساقط، دون أن تسكن به الخطية أو الطبيعة الفاسدة. لذلك هو قادر أن يخلص جميع البشر، بنفس الطريقة التي سقط منها جميع البشر، بسبب سقوط آدم: "18 فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ" رومية 8.
الثاني: جسد المسيح غير محدود، لأنه مخصص لرب الكون الذي به خلقت كل الخليقة، ما يرى وما لا يرى. فالذي يعطي التميز هو أيضًا الله، وليس الجسد نفسه فقط (وهو أعظم جسد، كما بينا في النقطة الأولى). فلو سألنا أنفسنا ما هو الفرق بين عصا موسى التي بواسطتها صنع معجزات عظيمة، وأي عصا آخر؟؟ الفرق هو استقرار قوة الله على عصا موسى؛ فالتميز يأت ليس من تميُّز العصا ذاته، بل من حلول قوة الله في العصا. أيضًا تميز جسد المسيح لا يأتي من تميُّز قدسية الجسد الخالي من الخطية فقط، بل أيضًا بمن حل في الجسد، كما يقول: "9 فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا" كولوسي 2. وهو أقنوم الكلمة الأزلي، الذي خُلِق الإنسان على صورته ليميزه؛ وحل في بشرية شخص المسيح، لكي يعيد الإنسان الساقط لنفس الصورة التي خلقه عليها، قبل أن يسقط. وينشئ من جديد شعب مشابهين لصورة أقنوم الكلمة الذين خلقوا بحسبه (رومية 8: 29)، كصورة لإظهار محبة الله التي سقطت من هذا العالم (1 يوحنا 4: 7-12).