يصر البعض على ان الكتاب المقدس ليس هو كتاب الله ويتمسكون بحجة قوية اراها انا ايضا حجة حقيقية الا وهي ان كتاب الله الذي اعطاه للبشر لابد ان يكون خالٍ من اي اختلاف، اي انه يجب الا يحوي تناقضات، مثل ان يحكي قصة في سفر ويروي تفاصيلها ثم يعود في سفر اخر ويحكي القصة ذاتها ولكن بتفاصيل اخرى تناقض التفاصيل الاولى للقصه ذاتها الواردة في السفر الاول.
الحقيقة كون كتاب من الله به تناقضات امر غير مقبول وينفي على الفور ان هذا الكتاب مُرسل من السماء الى الارض، الا ان هناك حقيقة اخرى، الا وهي ان كون كتاب ما ليس به اختلاف وتناقضات ومضبوط تاريخيا وجغرافيا وروائيا لا يُبرهن بالرغم من هذه الاحكام على كونه كتاب الهي. سناخذ النقد ونفحصه لنرى هل الكتاب المقدس به اختلافا اي ان كان، فلا القليل ولا الكثير في الاختلاف يوثر، فالكمية ليست معيار الكيل الذي يكال به الحكم على الهية كلمة الله ولكن اي اختلاف يدمر الادعاء، دعونا نفحص اولا في هذه المقالة هل بالفعل يوجد اختلافات وتناقضات في الكتاب المقدس ام هي مجرد شبهات؟ في هذا الجزء التمهيدي ساعرض لماذا يبدو لقارىء الكتاب ان هناك تناقضات، واكرر " يبدو " ولا ابرر وجود تناقضات، فقط ابرر وجود شبهات وظنون سيتحقق القارىء بحسب ثقتي في الله انها كانت مجرد اوهام.
لماذا تنشأ الشبهات بوجود تناقضات؟
1- شبهات ناتجة من الترجمة: في كثير من الأحيان يمكن أن تكون هناك كلمة عبرية أو يونانية واحدة لها أكثر من معنى فتُتَرجم في اللغات المختلفة إلى كلمات مختلفة، وليس دائمًا ما يُعطي جميعها المعنى الأصلي المقصود منها، أيضًا في الترجمة أحيانًا ما يكون هناك تحيُّز أو تفسير مُعيَّن للمُترجم لا يكون هو المقصود، إضافة إلى ذلك فإن العبرية واليونانية استخدمتا صورًا مختلفة للحديث ليس سهلاً على المترجم أن ينقلها.
2 – شبهات ناتجة من تفسير خاطئ للمكتوب: يتكلَّم الكتاب عن موضوعات كثيرة مختلفة وهذه الموضوعات لها تفسيرها ولكن بسبب الاختلاف في التفسير ينتج تضاربًا بشأنها ولكن العيب إذن آنذاك هو ليس في المكتوب ولكن في التفسير. ولا يمكن لإنسان واحد أن يفهم كل الحق الكتابي، وعندما يتكلَّم الله غير المحدود عن أمور بعيدة عن عين الإنسان فإن العقل المحدود غالبًا ما يجد صعوبة بسبب حدود نظرته وحدود إمكانياته العقلية.
3 – شبهات ناتجة من تصور خاطئ عن الكتاب: كثير من الناس يعتقدون إن التعبير ’’الكتاب المقدَّس هو كلمة الله‘‘ يعني أن كل جملة في الكتاب قد أتت مباشرة من فم الله، ولكن مثل هذا التصور هو تصور خاطئ. فالكتاب يحوي تسجيلاً لما قاله المتجددون وأيضًا ما قاله الخُطاة بالإضافة إلى ما قاله الله. إن تعبير ’’وحي من الله‘‘ يعني أن كل ما سُجِّل في الكتاب هو تمامًا ما أراد الله أن يُكتب في كتابه وأن يكون رسالة الله المُعطاة لنا، فعندما يُكتَب في الكتاب: «قال الجاهل ليس إله» فليس هذا بالتأكيد الحق، ولكنه ما قصد الله أن يُريه لنا من جهة رداءة قلب الإنسان الخاطئ، أيضًا القصة المذكورة في سفر القضاة أصحاح 11 اذ اعطى شخص ابنته للموت ايفاء لنذره فهذا ليس قصد الله ولا يوجد مصادقة الهية على هذا التصرف الاحمق ولكن تسجيل القصة يشير إلى مدى حماقة القرارات المُتسرِّعَة.
4 – شبهات بسبب اللغة التعبيرية التي استعملها الكتاب: كُتب الكتاب مرةً ولن يحدث تحديثًا له فهو كتاب لكل العصور ولكل البشر على اختلافهم، ولذلك استخدم لغة قريبة من كل فئات الناس ولا تخاطب فئة واحدة، فعندما يذكر حركة الشمس حين إشراقها وحين غروبها فهو يذكر هذا من جهة المنظور المعتاد لكل الناس ولا يتكلَّم عن حركتها من الجهة العلمية بل يتكلَّم بما هو مُعتاد لدى جموع البشر حين يقومون صباحًا.
5 – شبهات بسبب نقص المعرفة بشأن العادات، التاريخ، الجغرافيا، ومجتمع الأزمنة المختلفة في الكتاب: حتى الآن يعتبر فهمنا لتاريخ الكتاب غير كاملاً ولا زال الكتاب يحوي بعض الصعوبات أمام القارئ، والاكتشافات الأثرية الحديثة تحل كثير من هذه الصعوبات. فمثلاً من هذه الصعوبات موضوع ’’الخمر‘‘ المُشار إليه كثيرًا في الكتاب، ويظن الكثيرين أن الكتاب يُصادق على شرب الخمر والأغلبية لا تفهم أن هناك ثلاثة طرق لتداول المشروبات الكحولية في غالبية الثقافات، فالكحول يُستخدم في الطب وأيضًا كجزء من الطعام (كعصير للشرب) وثالثًا كمُسكر، وعندما يُشار إلى الخمر في الكتاب فإن غالبية الإشارات تشير إليه كجزء من المائدة كطعام عندما لا توجد إشارة إلى حالة من السُكر، وبهذه الطريقة يُستخدم الخمر في كل الثقافات والمجتمعات الزراعية. فمثلاً الهند تستخدمه إلى الآن كجزء من الطعام، وتوجد الآن كثير من الدراسات المبنية على سجلات تاريخية تفيد بأن الخمر كجزء من الطعام لا يُمثل مُسكرًا على الإطلاق. أيضًا نحتاج أن نفهم لماذا مثلاً كان العشَّار مكروهًا، وأيضًا كيف يفقد الملح ملوحته، وما الذي يقصد من تعبير مثل «تضع جمرًا على رأسه»، كل هذا يصير مفهومًا فقط إذا توفرت لدينا معلومات بشان ثقافة أزمنة الكتاب
.
6 - شبهات ناتجة بسبب عدم معرفة الظروف التي كُتب فيها أي سِفْر أو أُعطيت بسببها وصية ما: إن معنى وأهمية أسفار مثل: أستير، نشيد الأنشاد، الجامعة يمكن إن يُفهَم فقط إذا توفرت لدينا المعرفة عن الظروف التي كُتب فيها، أيضًا الوصايا التي أُعطيت لإبادة الكنعانيون يمكن أن تُفهم فقط إذا فهمنا مدى انحطاط وانحلال هذه الشعوب واستحالة تغييرها (وأنها سوف تؤثر سلبًا على شعب الرب وتجذبه إلى عبادة الأوثان وهذا ما حدث بالفعل). دعنا نتخذ كمثال نشيد الأنشاد. فالكثير من الناس تصطدم عندما تقرأ هذا السفر لأنه يحتوي عبارات تتعلق بالمحبة بين الرجل وامرأته، ويجب أن نفهم أن رد الفعل هذا لا يُمثل إشارة للحُكم على أو تقييم السِّفْر أو رفضه على أنه كلمة الله، الشيء الثاني الذي يجب أن نفهمه هو أن الزواج هو أمرًا مُقدَّس من الله، والمشاعر الحالية المتعلقة بالزواج وتلك العلاقات المختلفة هي ليست نابعة من فكر مسيحي أصيل، ولكنها نتاج أفكار وثنية وحركات غربية متحررة، ولكن الشرق دائمًا ما ينظر إلى الزواج على أنه أمرًا مُقدَّسًا. في الواقع هناك الكثير من الموضوعات في الكتاب يشعر الناس تجاهها بعدم الارتياح وهذا الشعور وهذا الحُكم يكون في غالبية الأحوال نابعًا من الأفكار الوثنية الفلسفية التي يقبلونها دون التفكير فيها.
7 – شبهات ناتجة من اختلاف الرؤى للمكتوب: ليس الجميع يتفق على تفسير واحد، والكل له وجهات نظر مختلفة وتحيز وفلسفة خاصة للموضوعات الكتابية مما يجعل أفكار كل فريق تنظر إلى المكتوب من منظور مُتحيِّز لما يؤمن به، فمثلاً بين اللاهوتيين هناك مَنْ هم ’’كالفينيون‘‘ ومَنْ هم ’’أرمينيون‘‘، ومع ذلك فليس أحد فيهم يحتجز الحق الكامل. والحق الإلهي يجب أن يُفهم من جميع زواياه ولا يمكن لأحد فينا أن يفهم كل الحق الكتابي كما قصد الله له أن يُفهم به، ولذلك يمكن لاعتبار ما في الحق الإلهي أن يبدو وكأنه يُناقض اعتبارًا آخر على الرغم من أنه لا يوجد أي تناقض حقيقي.
8 – شبهات بسبب لا محدودية الله ومحدودية الإنسان: الله غير محدود، وليس من الممكن وصف بدقة أفكاره وتعاملاته باستخدام اللغة البشرية المحدودة وبالتالي عندما يتم التعبير عن أعمال الله وأفكاره باللغة البشرية فإن الصعوبات تنتج، وإن كان لدينا وعيًا كافيًا بحقيقة أن العقل المحدود لا يستطيع أن يفهم تمامًا ما هو غير محدود فإن العديد من الإحباطات ممكن تجنبها. أسئلة كثيرة مثل: سلطان الله المُطلق وإرادة الإنسان الحرة، مشكلة الألم، والشَّر في وجود الله العادل، كل هذه جميعها مشكلات تندرج تحت هذا التصنيف، وحيث أنه هناك الكثير مما يُعبِّر عن الله الغير محدود في الكتاب على الرغم من حدود اللغة البشرية فإن مُمارستين مُعتادتين تم استخدامهما في الكتاب: (1) وصف أعمال الله بمصطلحات النشاط البشري (2) استخدام مصطلحات بشرية لوصف ما يفكر فيه أو يعمله الله. فمثلاً عندما يتكلَّم الكتاب عن الله أنه «يندم» فإن هذا الأمر يجب أن لا يُشوِّش باختلاطه مع ما يعانيه الإنسان، فالحالتين مع الله والإنسان مختلفتان تمامًا، ولكن استخدم الكتاب نفس الكلمات في وصفهما بسبب أنه لا توجد كلمات أخرى مناسبة.
9 – شبهات ناتجة من عدم فهم المعنى الأصيل للعبارة: كل لغة تحتوي على عبارات مُعيَّنه سواء كانت تأكيدية أو تأملية أو تصويرية وأحيانًا ما يكون من الصعب ترجمة المعنى الحقيقي المقصود في اللغة الأصلية إلى اللغات الأخرى ويجب ملاحظة الجملة في النص لفهم الاتجاه المقصود من المعنى، فمثلاً يمكن القول: ’’يمكن أن تُخطيء‘‘ ويُعبَّر عنه كتصريح للخطأ ويمكن إن يقصد منه أيضًا ’’يمكن أن تقع في الخطية‘‘ كتحذير بسبب الإهمال.
10 – شبهات بسبب الأعداد واخطاء النسخ: ارجو الرجوع الى المقالات الثلاثه السابقة في هذا الامر.
في المقالات القادمة سنمتحن عن قرب امثلة من داخل الكتاب يبدو فيها التناقض واضحا مثل قصة هداية بولس في سفر اعمال الرسل ، مثل قصة كيفية موت يهوذا وكثير من التناقضات الظاهرية التي هي ليست الا شبهات واوهام وليست ابدا اختلافات . الرب معكم.