هذه الكلمة- سوپر ماركت- تعبّر عن سوق كبير أو متفوّق على السوق العادي، يستعملها الناطق-ة بالعربية بين مفردات الحياة اليومية، نتيجة لتفاعل لغات أخرى، كالانگليزية (1) والفرنسية، مع لغته الأمّ، فباتت مفهومة ومقبولة ومستساغة لدى الأذنين وحضارية أيضا، سأستخدم عددًا منها بعد قليل. فلو يخبرني أحد أصدقائي أنّه "رايح للسوق" أشعر لا إراديًّا بالعودة إلى زمن التخلّف، مع أنّي من أكثر المتحمّسين للغة العربية، لغة المعلّقات العشر التي نطق بها بنو القبائل العربية المسيحية، كامرئ القيس وعَبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني والأعشى قيس، ولغة ليلى العفيفة وكُليب وأخيه المهلهل من قبلهم وتحديدًا القرن الخامس الميلادي. كما أنّي من الذين يحثون الناطقين بالعربية من الجنسين على إتقانها إملاءً وقواعدَ وبلاغة وحبكة عند كتابة مقالة أو تعليق، وعلى التزام موسيقى الشعر- أوزانه التي في علم العروض (2) بالإضافة إلى ما تقدَّم عند كتابة قصيدة. فقد ظنّ كثير من هُواة الكتابة أنّهم كتّاب مقالات، كما ظنّ كثير من هواة الشعر أنهم شعراء، وما عَلِموا أن المواهب التي لديهم\هنّ لا تكفي وحدها لكي تُدرَجَ أسماؤهم\هنّ في قائمة الكتّاب أو الشعراء، إنما ينبغي توفّر جميع "أدوات الكتابة" أي إتقان أدب اللغة بما فيه من التزام، يُضاف إليه الإحساس المرهف بموسيقى الشعر من جهة القصيدة.
في المقابل؛ ليس كل من أتقن الإملاء والقواعد وسائر أدوات الكتابة كاتبًا! ولا بات مَن أتقن الأوزان الشعرية شاعرا! إنما تلزم الموهبة هذا وذاك، إذ لا فائدة في جسد بلا روح!
سأضرب مثالًا واقعيًّا على الالتزام الكفيل بتسمية فلان كاتبًا أو شاعرًا؛ عليه بدفع ثمن ما يشتري كاملا من سوپر ماركت غربي- بالْغَين- بدون أيّ نقص، وإلّا فلن يحصل على السلع التي اشترى كاملة غير منقوصة. تخيّلت أني دخلت لشراء ما أحتاج إليه من منتجات غذائية، كالزيت والبيض وبعض الخضار ونخبة من الفواكه، فلمّا وصلت إلى صندوق المحاسبة دفعت الثمن، وحصلت من أمين الصندوق على فاتورة شاملة جميع المشتريات، هل يسمح لي الأمين بإخراجها ما لم أدفع ثمنها كاملا، على أنّ النقود التي في محفظتي أقلّ من الواجب دفعه وعلى أني سأدفع له لاحقا؟ والجواب قطعًا: كلّا، لأنّ الأمين- هنا في الغرب- لا يسمح بالدَّين، كما أنّ الأمانة تقتضي التزامه بالعقد الموقّع بينه وبين ربّ العمل.
ولقد حصل معي مرّة أنّي دخلت إلى سوپر ماركت في دولة غربية أخرى، كان في محفظتي من عملتها ما يكفي، في أغلب الظّنّ، فاتّضح لي أنّ منها ما نقص، والنقص عادل الفلس العراقي أيّام الخير، لم يسامحني أمين-ة الصندوق عليه، فاضطرّني لدفع الفلس من بطاقة الائتمان المصرفية. وهذه حالة استثنائية قلّما حصلت معي، دلّت على أنّ الأمين المذكور قليل الخبرة، لأن أرباب العمل في المحلّات التجارية الكبيرة يسمحون للأمناء بنقصان نسبة قليلة محددة من صناديقهم، حسب علمي كأمين صندوق سابقا، ويسمحون أيضا بزيادة النسبة عينها. عِلمًا أن الأمين نفسه إذا ما أراد شراء حاجة، خلال فترة عمله، خير له أن يدفع فورًا، إذ تغطي كاميرات السوپرماركت مساحته كلّيّا.
لكن قد يسمح لي أمين صندوق آخر بتأجيل الدفع، في أحد المحلّات العربية أو الآسيوية، بحكم المعرفة التي بيننا مسبقًا مدعمة بالثقة، فيسجّل عليّ دَينًا ما يجب دفع قيمته في أقرب فرصة. حينما يتمّ الدفع كاملا يشطب اسمي من لائحة الديون. والجدير ذِكره بالمناسبة هو أن ارتكاب مخالفة واحدة في الغرب، أيًّا كان نوعها، مسجَّلة من جهة الشرطة، تبقى في أرشيف المخالِف-ة مدى الحياة، أيًّا كان حجم المخالفة وأيًّا كانت شخصية المخالِف-ة. أمّا في الشرق فأنّ أحد اثنين، المال أو السياسة، كفيل بإخفاء أيّ ملفّ مدى الحياة.
قد يتقبَّل بعض الناس الدَّين، لكنّ غيرهم أحَسَّ بوصمة عار مِن جرّائه. والآن؛ لن أشعر بعيب ما إذا أفصحت عن جهلي أوزان الشعر حينما كتبت شِعرًا مقفّى في بداياتي الشعرية، بل جهلت حينذاك أن للشعر أوزانًا، مركِّزًا على القافية، لظني أنها هي التي تميّز الشعر من النثر! فلمّا أعلمني أحد الجيران مشكورًا بعِلم العَروض، وأعارني "ميزان الذهب في صناعة شعر العرب" تقبّلت الأوزان بفرح فور قراءتها، وأتقنتها كحروف الهجاء في اليوم نفسه. فمنذ ذلك الحين؛ ميّزت الشعر الموزون الملقى على سمعي مِن المُشاب بأخطاء تلقائيًّا، بدون استخدام ورقة وقلم! بل ساعدني ضبط الوزن في كتابة كل قطعة شعرية كما هي خلال الامتحان المدرسي، ما دلّ على وجود موهبة شعريّة لديّ قد تمّ صقلها منذ بلوغي سنّ الرابعة عشرة. فنظمت قصائد على الأوزان كلّها بدون استثناء. وأكملت دراستي مختارًا القسم العلمي، تاركًا الأدب بين سلسلة هواياتي.
وأتذكّر حرفيّا ما كتب أحد محرّري "ألف باء" إحدى المجلّات العراقية، ردًّا على قصيدة أرسلتها إليه في تلك السّنّ المبكرة: [نعتذر عن نشر قصيدتك لأننا نعتقد أنها ليست لك، نرجو أن تكتب أنت وبجهدك] وقد يُقال لي واااو ما هذا يا رجُل! لكن هذا الخبر صحيح! بل اعتبرت ردّ المحرّر أوّل وسام شرف أدبي حصلت عليه في العراق، حتّى بَقِيَ عالقًا في الذاكرة. لهذا لم يكن عيبًا عليّ ما جهلت في بداياتي، بعدما استحسن ما ألقيت من قصائد فيما بعد كبارُ أدباء مدينتي، وأساتذة اللغة العربية في جامعتها وفي عدد من مدارسها، والقسم العلمي الذي توجهت إليه يلفت الانتباه! إنّما العيب في استمرار ارتكاب الأخطاء اللغوية والإصرار على غضّ النظر عنها، بذريعة أنّ الكلام واضح ومفهوم. سأتقبّل ذريعتك أخي المصنَّف لدى غيري كاتبًا أو شاعرًا برحابة صدر، لكنْ لا تحمّلني مسؤولية الاعتراف بك كاتبًا أو شاعرًا! لن أعترف بك، مهما دفعت لي من مديح وإطراء ومهما مننت عليّ بهما، طالما عجّت مقالتك بأخطاء لغوية أو غصّت قصيدتك بأخطاء لغوية وعَروضية معا، بل ضرّك في المدى البعيد كل من اعترف بك بذريعة التشجيع إمّا كان أهلا للإعتراف! هذا ما قبل الحديث عن وجود أخطاء في مادّتك من نوع آخر.
لا يمكنني في هذه المقالة المتواضعة حصر أخطاء هواة الكتابة أو أغلاطهم في مقالة مقتضبَة نسبيّا، لكني سأحاول، بالإضافة إلى أنّ منهم مَن امتعض مِن نقدي أخطاءَه عوض التقدم بالشكر على أيّة خدمة مجانية قُدِّمت له من صديق مشهود له برُقِيّ المكانة الأدبية وبالأمانة والإخلاص. تذكرت الآن محاولة أحد "الكتّاب" توظيفي لتنقيح مقالاته وقصائده، أجبته بأني أكتب لمجد الرب يسوع، بدون انتظار شيء مقابل خدمتي، كما كتبت له وصية السيد المسيح: {مَجّانًا أخذتُم فمَجّانًا أعطوا}+ متّى 10: 8 ووعدت بمساعدته كلمّا سمح لي الوقت بقراءة منشور له. لكنه أنهى الصداقة ما بيننا من طرفه، والسبب في أغلب الظّنّ هو أن رفضي مكافأته جرح كبرياءه؛ كيف لفتًى مثلي [يعيش مِن يديه إلى فمه- مَثَل شائع في انگلترا وسكندِناڤيا] و[يمدّ بساطه على قدر رجليه- مثل شائع في العراق] يرفض هديّة مَن يعيش في بحبوحة!
فاليوم أحثّ من يهوى الكتابة من الجنسين على الابتعاد عنها ما لم يتوفر لديه التالي:-
أوّلا: قراءة الكتاب المقدَّس (3) مع التشكيل (4) بدقّة، ابتداءً بالعهد الجديد- الإنجيل- مركِّزًا على قواعد اللغة؛ منها المرفوعات والمنصوبات وأدوات كلّ من النصب والجزم، ومنها الضمائر المنفصلة والمتصلة، ولا سيّما فحص حرف الهاء الذي في نهاية الكلمة؛ هل هو حرف أصلي كقولك: الله، إله، فقيه، أبله، تاه، معتوه... أم أنه ضمير متصل كقولك: لهُ، بهِ، عليهِ، أمّه، أباهُ، إيّاهُ، إيهِ، دفعهُ، أتاهُ، طبيعته، صَهْ...؟ تاليًا تمييزه من التاء المربوطة كقولك: حياة، الصّحّة، قدرة، طبيعة، إلهيّة، الأبديّة، نخوة، نبوءة، سذاجة، نزاهة، الألسِنة، عنترة... لعلّ الهاوي يتنبّه للأخطاء التي يأمل ألّا يقع فيها ثانية في المستقبل. كما أدعو هواة الشعر إلى قراءة سلسلة بحور الشعر التي قمت بتحديثها على صفحات هذا الموقع، ولها حقل على صفحته الرئيسية- على الرابط المرقم (2) في الهامش- ما قبل قراءة عدد من قصائدي لتعلّم كتابة الشعر على أصوله.
أمّا معاني الآيات فأنّ الروح القدس يوضحها، إمّا مباشرة أو من خلال التفسير المرفق (5) المقدَّم من تعب محبّة المفسّرين {واعلموا قبل كلّ شيء أنْ لا أحد يقدر أنْ يُفسِّر من عنده أيّة نبوءة في الكتب المقدسة، لأن ما من نبوءة على الإطلاق جاءت بإرادة إنسان، ولكن الروح القدس دفع بعض الناس إلى أن يتكلموا بكلام من عند الله}+ 2بطرس 1: 20-21
علمًا أن قراءة الكتاب المقدَّس تؤدي إلى تنظيف قلب القارئ-ة من شوائب الثقافات الغريبة، وإلى تلطيف جوّ هاوي الكتابة ليكتب بوداعة الحَمَام (متّى 10: 16) ومعلوم أنّ الحمام يطير في بعدين؛ عمودي إذْ يحلّق مرتفعًا، وأفقي إذ يجتاز المسافات المرئية. كذا الكاتب المميَّز برقيّ فكره وببعد النظر.
ثانيًا: فحص أمانة النقل عن مصدر ما أو مرجع لدعم فكرة ما في المقالة أو لاختصار تدوينها؛ تقتضي الأمانة ذِكر اسم الكتاب والكاتب والفصل والصفحة، على أنّ الكتاب معترف بصحّته وبمصداقية كاتبه. إنما المعلومة التي بدايتها "قال العلماء أو الخبراء كذا" بدون ذكر أسماء ولا المصدر ولا تفصيل كل من التجارب العلمية والإحصائيات والنتائج ولا آراء عدد من المتخصّصين، يجب إلقاؤها في سلة المهملات! إذ اقتضت ثقافة القرن الحادي والعشرين فحص أيّة معلومة بالتحقق من صحتها، ما قبل القبول بها وتاليًا تمريرها إلى متلقّ آخر، وإلّا هكذا انتشرت الشائعات الغبية منها والمغرضة.
ثالثا: التأمّل في أسلوب الكتابة؛ من يحاول كتابة مقالة فليعتمد صيغة المفرد لا الجمع؛ وليكتبْ- مِثالا: "أشرتُ فيما سبق إلى كذا" لا يكتب "أشرنا" الدالة على التعالي، لأن بين القراء من يحتقر المتعالي! لو علم "الكاتب" أصل صيغة الجمع المذكورة لاحترم نفسه نائيًا بقلمه عنها، لأن كلام الواحد بصيغة الجمع من خصائص الرب الإله في إشارة إلى الأقانيم الثلاثة- الآب والابن والروح القدس: {وقال الله: نعمل الإنسان على صورتِنا كشَبَهِنا...}+ تكوين 1: 26 فاقتبس هذه الصيغة فيما بعد من اقتبس، بدون تفكير في مصدرها، واختلسها من اختلس. أمّا الاضطرار للحديث بصيغة الجمع فيلزم تحديد الجماعة المراد تمثيلها، كقولك: "نحن- المسيحيّين- ملزَمون بمحبة الأعداء" والآن؛ ما محلّ "المسيحيّين" من الإعراب؟ والجواب: مفعول به لفعل محذوف تقديره "أخصّ" أو "أقصد" فاعله ضمير مستتر تقديره: أنا. أمّا قولك "نحن مسيحيون" فهذان مبتدأ وخبر.
رابعا: خطّة الكتابة؛ متابعة تسلسل الجمل والفقرات، المحافظة على سياق كل من النصوص الجزئية لتصبّ مجتمعة في سياق عام. التركيز على الموضوع الرئيسي والابتعاد عن الإطالة ولا سيّما في الثانويات. تجنّب التكرار. إجادة استخدام كلّ من الضمائر وحروف العطف؛ لا تليق أدبيًّا كتابة "محبة ونعمة وعدالة الله" بل الصواب: محبّة الله ونعمته وعدالته. انتقاء كل من الكلمات والعِبارات كما يفعل لاعب الشطرنج؛ عليه أن ينقل إحدى القِطع خلال وقت محدَّد، لكنّه يفكّر في احتمالية وجود نقلة أفضل لكي يضمن ربح مباراته أو حصوله على التعادل. اختيار عنوان مختصر للمقالة على أن يناسب موضوعها الرئيسي.
أمّا خطة النشر فأني أقترح على "الكاتب" أن يفكّر فيها طويلا لكي يستمرّ عطاؤه فلا ينضب وبعدئذ نسِيَهُ القرّاء! إليه الكتاب المقدَّس الموصوف بأنه مكتبة روحيّة خير مثال يقتدى به؛ مصدر إلهام كتابة مواضيع بالمئات ما لم تُعَدّ بالآلاف، وقد يحتاج واحد منها إلى سلسلة مقالات. هذا لا يعني أن الكاتب الموصوف بـ"شلّال مقالات" أفضل من كاتب آخر نادرًا ما يكتب، ولا أنّ الأوّل أعلى شأنا من الثاني. كذا الشاعر الموصوف بـ"أمير الشعراء" فلا تفضيل ما بين شاعر وآخر بناءً على كثرة الإنتاج! إنّما على نوعيّته.
خامسا: مراعاة الفواصل؛ منها النقطة والفارزة والشارحة، ومنها علامة التعجب (!) مع التفريق بينها وبين علامة الاستفهام (؟) على أنّ هناك مَن وضع الواحدة منهما بدل الأخرى.
سادسا: تجنّب تشكيل الحروف غير اللازم لأنه يتعب نظر القارئ-ة وقد يشتّت تفكيره.
سابعا: المزيد في مقالاتي (6) المدوَّن رابط كل منها في الهامش؛ لا أدّعي الكمال في أيٍّ منها، لكني سعيت له اقتداء بتعليم الرب يسوع- {فكونوا أنتم كاملين كما أنّ أباكم السماويّ كامل}+ متّى 5: 48 وانظر-ي أيضا يعقوب 1: 4-7
أخطاء في نطق بعض الحروف وفي كتابتها
إليك سلسلة حروف وقع كثير من المعلّقين، من الجنسين، في أخطاء لمّا نطقوها وحينما كتبوها أيضا:-
1 الهمزة؛ موضوعها مطوَّل، يمكنك البحث على گوگل عن كلّ من: كتابة الهمزة في اللغة العربية، ورسم الهمزة المتوسطة.
2 تبديل المحلّات بين التاء والثاء. وهناك بين الناطقين بالعربية مِن الجنسَين مَن ينطقون الثاء بالسين والعكس والطاء بالتاء. انظر-ي " أبجدية عربية" على ويكيپيديا.
3 إبدال الذال (ذ) بالزاي (ز) والعكس. وهناك من يلفظ الظاء (ظ) بالزاي والسين بالزاي أيضا.
4 الصاد في محلّ السين والعكس.
5 الضاد (ض) في محلّ الظاء (ظ) والعكس.
6 الهمزة في محلّ القاف في مكان ما والغين في محل القاف والعكس في مكان آخر.
7 الياء (ي) في محلّ الألف المقصورة (ى) والعكس.
ـــ ـــ
تأكيد
مَن أراد-ت تعلّم الكتابة الصحيحة فعليه أن يقرأ الترجمة العربية المشتركة للكتاب المقدَّس- على الرابط المرقم (3) في الهامش- لأنها مدوّنة بإتقان وأنّ أسلوب تدوينها أقرب إلى لغة هذا العصر من أساليب الترجمات الأخرى وأسهل فهمًا.
ـــ ـــ
نشر الأدب وأدب النشر
قلّما أرسلت قصيدة إلى جهة معنيّة بالشعر لنشرها ورقيّا، ما قلّ عن عدد أصابع اليدين، في العراق والأردنّ ولبنان. عِلمًا أنّي كتبت رواية في الماضي وعددًا قليلا من قصص قصيرة، في دفتر مذكرات، لم يخطر في ذهني إرسال شيء ما منها للنشر. أمّا التعليق والمقالة فلم أكتب قبل حلول سنة 2008 بعدما قرأت افتراءات على الكتاب المقدَّس على صفحات الانترنت. ذلك مع تقدّمي أدبيًّا وفلسفيًّا ولاهوتيًّا خلال التسعينيات، ومع عملي بضعة أشهر بصفة سكرتير تحرير مجلّة لبنانية في منطقة فرن الشبّاك؛ أتذكر أن صاحبها قال لي مرّة: [أضاهي بك جميع من احتلوا هذه الوظيفة في الوطن العربي] لكنّ تملّق هذا الرجل ونفاقه وراء تركي العمل معه، ووراء إقفال باب مجلّته بالشمع الأحمر فيما بعد. فلمّا غادرت لبنان متوجّهًا إلى قبرص مزّقتُ ما كتبت، المنشور منه وغير المنشور، خلال إقامتي المؤقتة هناك، بعد اتخاذ قرار الكفّ عن الكتابة، لأني أدركت صعوبة تقبّل أسلوبي من جمهور تدرّج هبوط مستوياته الأدبيّة، ولا سيّما أجيال ما بعد السبعينيّات. وفي المقابل؛ هبط في نظري الأدب المنشور في الصحف الورقية والمجلّات منذ ذلك الوقت حتّى اليوم، باستثناء ما لا يتعدى أصابع اليد. فلم تترك لي ظروف الغربة مجالا للتفكير في عودة إلى الكتابة يومًا ما.
بالمناسبة؛ لديّ من الأصدقاء فنّانون رثوا لحال الفن أيضا، متألّمين من إقبال الجمهور على الرخيص منه، في مقابل تجاهل الأصيل. وتكفي الحليمَ إشارة.
والقصد فيما تقدَّم؛ كيف يجرؤ على كتابة كلمة واحدة مَن لم يقرأ ألف كلمة بأقلّ تقدير؟
كيف يجرؤ كاتب مقالة على إرسالها للنشر على رغم وقوعه في أخطاء لغوية قد يقشعرّ لها البدن؟ إني أشعر بالعار كلّما سقط منّي حرف واحد سهوًا، أو سهوت عن حركة إعرابية بعدما غيّرت صياغة جملة ما، ناسيًا العودة إليها لضبطها، فلمّا عثرت عليها منشورة على صفحة الموقع الالكتروني لم يغمض لي جفن، حتّى تفضُّل محرّر الصفحة مشكورًا بالتصحيح الذي أرسلتُ إليه. هذا وإن فرّق مهتمّ-ة باللغة بين ما سقط سهوًا مِن قلم الكاتب-ة وبين ما سقط جهلا.
كيف يجرؤ على كتابة قصيدة باللغة العربية من لم يهضم علم العروض، ولم يقرأ قصائد العرب- القديمة منها والحديثة؟ ولقد أدركت منذ زمن بعيد أن كتابة خواطر مقفّاة بقافية موحّدة أو أزيد، بدون وزن، قد شوّهت شكل الشعر العربي الأصيل وخدعت القرّاء من غير ذوي الاطلاع وذواته على أنها "قصائد" بينما هي أقرب إلى أسجوعة مسطّرة بشكل عمودي.
كيف يجرؤ من لم يقرأ صفحة واحدة من العهد الجديد على نقده خصوصًا ونقد الكتاب المقدَّس عموما، في صحيفة ورقية أو على صفحة الكترونية؟ وفي رأيي؛ أنّ نقد الكتاب المقدَّس- كتاب الله الوحيد- يعني نقد محبّة الله غير المحدودة ولا المشروطة ممّا في هذا الكتاب، ويعني رفض الفداء الذي أنجزه الله بشخص السيد المسيح- ابن الله- سافكًا دمه الثمين على الصليب المقدَّس، ويعني تاليًا رفض الخلاص المجّاني الذي أعدّه الله للبشرية، منذ تأسيس العالم، لكلّ مَن يؤمن بالمسيح فاديًا ومخلِّصا. ومعنى {ابن الله} كلمةُ الله، صورة الله، المنبثق من الله، الذي حلّ الله فيه، العامل أعمال الله. والمعلوم في الإنجيل أن إبليس قاوم صليب المسيح بطرق شتّى، لكنّ جهوده باءت بالفشل، وانهزم مسحوقًا رأسه تحت قدَمَي المخلِّص، فمصيره وكلّ مَن عَمِل ضدّ المسيح في بحيرة النار المتقدة بالكبريت (رؤيا 19: 20) أمّا آية {أَولاد الله}+ يوحنّا 1: 12 فقد فسّرها يوحنّا نفسه بأنهم المؤمنون باٌسم المسيح، الذين قبلوا المسيح من الجنسين. عِلمًا أنّ "الولد" يشمل الذكر والأنثى.
أخيرًا أنّ الحكمة واجبة كل زمان وبكل مكان، والعامل بغيرها يتحمّل مسؤولية عمله، لكن (القانون لا يحمي المغفَّلين) إنّما هذا الغباء أو ذاك مِن الصعب أن يُطاق من جهة كاتب ذي شأن؛ تعب كثيرًا في بناء شخصيته الأدبية فميّزه أهل الأدب عن غيره وإن قلّ عددهم.
لعلّ من المعلوم أنّ السيد المسيح وبَّخ الأغبياء (لوقا 11: 40) وبولس الرسول وبَّخ أيضًا في رسالته إلى غلاطية 3: 1 و3 وفي رسالته إلى أفسُس 5: 17 أيًّا كان سبب الغباء.
ولقد نُسِب لأينشتاين القول التالي: [اثنان لا حدود لهما؛ الكون وغباء الإنسان] وفي تقديري أنّ جهل الإنسان الراشد يمثّل صورة من صور الغباء في الأحوال التالية؛ إذا أتيحت أمامه فرصة للقراءة ولم يقرأ، وأخرى للتعلّم ولم يتعلّم، وإمكانيّة للبحث ولم يبحث، وأخرى للتدقيق ولم يدقِّق.
ـــ ـــ
الغبي والغباء
من الصعب إطلاق صفة الغباء على إنسان- أيّ إنسان- إلّا إذا (طَفِح الكيلُ) و(بَلَغَ السَّيلُ الزُّبى) ما لا ينبغي السكوت عنه ولا التغاضي. إليك مقتطفات من "معجم المعاني الجامع" بالمناسبة:-
[غَبِيّ: بَلِيد، جاهِل، ضَعِيفُ الفِطْنة. عكسُهُ ذكيّ؛ ما أصعَبَ عِشْرةَ الغبيّ!
غَبِيّ: فاعل مِن غَبِيَ يَغبَى غَبَاءً وغَبَاوة. غبِيَ الولدُ: ضَعُفَ عقلُه. غَبِيَ الدَّرْسَ: جَهِلَهُ، خفِي عليه فلم يعرفهُ، لَمْ يَستَوعِبهُ، لم يَفطِن إليه... إلخ] انتهى.
فـ"غَبِيَ" من الأفعال اللازمة في قولهم "غبِيَ الولدُ" ومن الأفعال المتعدِّية في قولهم "غَبِيَ الدَّرسَ" والغباء في نهاية المطاف وصمة عار لا يمكن محوها بدون استخدام العقل استخدامًا حَسَنا.
ـــ ـــ
نَصّ مترجم إلى العربية- قبل التعديل وبعده
هل في إمكانك رصد الأخطاء اللغوية في النص التالي:
[القديس فالنتين أو فالانتاين وهو قديس روماني من القرن الثالث الميلادي، مشهور بعيد الفالنتاين أو عيد الحب أو العشاق والذي يحتفل باسمه في 14 فبراير شباط من كُل سنة وقد كان يُحتفل بهذا العيد منذ العصور الوسطى المتوسطة بتقليد مودة الحب.
ليس هناك حكاية حقيقية ثابتة عن هذا القديس حتى الآن، فحكايته تختلف من منطقة إلى أُخرى، لكن الحكاية الأقرب بأن فالنتين كان كاهن مسيحي وكان يزوج العشاق المسيحيين فيما بينهم حيث كان سر الزواج في المسيحية موجود في ذلك الوقت، وبسبب أن المسيحية كانت ممنوعة في الإمبراطورية الرومانية فقد كان يعاقب على كُل من يمارس أحد أسرار الكنيسة، وبسبب ذلك إعتقلته السلطات الرومانية وحكمت عليه بالإعدام، فاشتهر منذ ذلك الوقت بأنه شهيد الحب والعشاق لأنه ضحى بحياته لأجل سر الزواج... إلخ] انتهى. عن ويكيپيديا: القديس فالنتين.
والآن؛ تفضّل-ي بالمقارنة ما بين النص المعدَّل التالي وبين النص السابق:
[ڤالنتين أو ڤالنتاين؛ قدّيس روماني من القرن الثالث الميلادي، مشهور بعيد ڤالنتين أو الحُبّ أو العُشّاق، يُحتفَل بذكراه في الـ14 من فبراير- شباط- كُلّ سنة، منذ العصور الوسطى، بتقليد شكل من أشكال الحب.
لا توجد حكاية حقيقية أو ثابتة عن هذا القديس حتى الآن، فاختلفت من منطقة إلى أُخرى، لكن الراجحة هي أن ڤالنتين كان كاهنًا مسيحيًّا يزوّج المسيحيّين حسب سرّ الزواج في المسيحية، الممنوعة آنذاك في الإمبراطورية الرومانية، فعوقب مَن مارس أحد أسرار الكنيسة علنيّا. لذلك اعتقلته السلطة وحكمت عليه بالإعدام، فاشتهر منذ ذلك الوقت بأنه شهيد الحب والعشاق، لأنّه ضحّى بحياته لأجْل سِرّ الزواج. والمزيد بأيّة لغة على ويكيپيديا، وعلى بعض المواقع المسيحية] انتهى.