عدد كبير من النقاد، يحاولون انتقاد المسيحية من جهة تأثير خطية آدم على البشرية، ويحاولون إظهار تناقضًا بين الآيات التالية، التي سنعرضها ونعرض أكثر ستة اعتراضات تصلنا عليها؛ ونرد على ثلاثة منها في هذا المقال، وثلاثة في المقال المقبل:
الآيات: "20 اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ"
مقارنة مع رومية 5 "12 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ.... 14 لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي"
الاعتراض الأول: كيف يُعلِّم كتابكم في رومية أن البشر ورثوا الخطية الأصلية من آدم؛ لكن في الوقت نفسه، يعلم في حزقيال أن ذنب كل إنسان عليه يكون؛ فكيف يحمِّل الله البشر ذنب خطية آدم إذًا؟
الرد: إن الناقد كما يبدو لم يقرأ جيدًا ما تقوله الآيات في رومية!! وهي تتكلم عن وراثة نتائج خطية آدم وليس خطية آدم الشخصية ذاتها؛ ونتائج الخطية تتمحور في ثلاث أركان أساسية مترابطة مع بعضها البعض:
أولا: وراثة الطبيعة الخاطئة من آدم كما سماها آباء الكنيسة؛ أو ولادة الإنسان بنفس تميل إلى الخطية وعكس الصالح (راجع أيضًا رومية 7: 18-20). فآية رومية أعلاه تقول أنه: "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ"؛ أي أن آدم فتح باب هذا العالم للخطية ولمعرفة الشر، بتمرده على الله ورفضه لسيادة الله عليه وعلى العالم الذي أعطاه السلطان عليه (تكوين 1: 28-30 و2: 15). وهذا جعل إبليس يسلب سلطان آدم على العالم منه لأنه أقوى منه، ويسيطر على البشر والعالم (لوقا 4: 6).
ثانيًا: دخول الموت على حياة البشر، فالآية لا تقل أننا ورثنا خطية آدم الشخصية ذاتها، التي يتكلم عنها الناقد في حزقيال!! بل الموت الذي نتج عنها: " لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ". أي أنه قبل أن يخطي البشر بإرادتهم كما أكد العدد نفسه "12... إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ"، وهم أجنة في أرحامهم، ساد الموت عليهم، ويولدون فيه. وحتى أحيانا يصاب الجنين بالموت وهو في رحم أمه، أي قبل أن يفعل شرًا أم خيرًا. أيضًا عبارة "على شبه تعدي آدم"، تؤكد أن الموت يسود علينا ليس بسبب خطية آدم الشخصية ذاتها؛ وإلا لقال: "بسبب خطية آدم" بدل من "عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ". فالموت ساد على البشر، بمشابهة حلول الموت على آدم بسبب تعديه على أمر الله؛ مما يؤكد حلول الموت علينا، كما حل عليه لأننا من نسله؛ وليس بسبب خطيته الشخصية ذاتها كما يدعي المعترض؛ بل بسبب سقوط العالم في يد الموت بسببه.
ثالثًا: ولادة البشر خارج الجنة، دون أن يعطيهم الله فرصة أن يكونوا فيها إلى أن يخطئوا، كما أعطى آدم وحواء. لذلك ولد البشر في الأرض التي لعنها الله بسبب خطية آدم، حيث قال: "17 ... مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ ... 19 بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ (اي دخل الموت على حياة آدم وذريته، كما قلنا في النقطة السابقة)" تكوين 3. ونرى هذا في آيات رومية مثل "12 .. كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ .... 14 لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى... " أي تحول العالم الذي عندما خلقه الله، قال عنه "31 ورأى الله كلَّ ما عمله فإذا هو حسنٌ جدًا.." إلى عالم يسود عليه الكد والتعب، الخطية والموت. فما هو ذنب ذرية آدم أن تولد خارج الجنة؟ لماذا لا تعطى لهم الفرصة في الجنة، كما أعطيت لآدم وحواء، قبل سقوطهما؟!!
إذًا الناقد قد بنى نقده على فكرة مغلوطة أصلا، وهي أن وحي رومية 5، يدعي أن البشر ورثوا خطية آدم ذاتها، وهذا فكرة مغلوط تمامًا!! لقد ورث البشر نتائج خطية آدم، وليس خطية آدم الشخصية ذاتها؛ فكما قال الأب أنطونيوس فكري، في تفسيره لرومية 5: 12 " ونلاحظ أننا نموت لا بخطية آدم، بل بطبيعة آدم وبسبب خطايانا التي نصنعها بإرادتنا نحن." لذلك لا تعارض بين آية حزقيال أعلاه " اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ" مع آيات رومية 5، لأن رومية تتكلم عن وراثة نتائج خطية آدم، وليس خطية آدم الشخصية ذاتها، التي يتكلم عنها حزقال.
الاعتراض الثاني: لماذا يجب أن يؤثر قرار آدم على جميع البشر؟
الرد: إن مسؤولية القائد هامة جدًا في تحديد مصير أمته، وهو أمر لا يمكن أن ينكره أحد كظاهرة اجتماعية سياسية نراها كل الوقت في العالم الذي حولنا. فقرارات أي قائد لأي دولة، قد تؤثر على جميع الساكنين فيها؛ وحتى ممكن أن يجعل حياتهم جحيم على مدار عشرات السنين بسبب قراراته الخاطئة غير الحكيمة. وممكن أن يجعل السكان فقراء وبؤساء، وتكون الدولة من أغنى الدول في البترول والموارد الطبيعية. مثل قرار صدام حسين سنة 1980، عندما أعلن رسميًا حربه على إيران التي استمرت 8 سنين، وراح ضحيتها حوالي 1.2 مليون شخص، وخسائر مادية حوالي 400 مليار دولار (وهي تعادل ميزانية السودان لمدة 40 عام؛ التي عدد سكانها مساوي للعراق). وهذه الحرب قلبت العراق من دولة غنية جدًا بنفس مستوى دول الخليج، إلى دولة يسودها النزاعات والصراعات والتشتت، ومعظم سكانها يعيشون تحت مستوى خط الفقر. كذلك قرار آدم الخاطئ، لم يكن قرارًا شخصيًا يخصه وحده فقط؛ فالله خلق الكل جيد في حياة آدم؛ ووضعه كخليفة له على الأرض؛ وأعطاه سلطانًا كاملاً عليها ليعملها ويحفظها ويتسلط عليها (تكوين 1: 28 و2: 15)؛ فكان آدم وهو في ظل حماية الله، قادر على طرد إبليس من الجنة. لكن في الوقت نفسه، خلق الله الإمكانية لآدم لأن يرفضه، ويخرجه من عالمه (من خلال شجرة معرفة الخير والشر، تكوين 2: 9 و17)؛ لأن الله أعطاه إرادة حرة روحية.
أما آدم، فاختار أن يرفض الله ويكون هو سيد نفسه (بحسب إغراء الشيطان لحواء "تكونان كألله"، تكوين 3: 5)، وأهم نتيجة لذلك القرار على باقي البشر، كانت أن ألأرض الكاملة التي خلقها الله، أصبحت تحت لعنة الله بسبب رفض سيادته عليها: "17.. مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ." تكوين 3. فأصبحت مكان صعب ومتعب للعيش: "9 بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا..." تكوين 3؛ بعدما أخذ آدم قراره بأن ينزع سيادة الله على حياته وعلى الأرض.
الاعتراض الثالث: دعنا نقول أن قرار آدم أثر على البشر، فهل هذا عدل أن أدفع نتيجة خطية يعملها آدم؟؟
الرد: نعم ليس من العدل أن أدفع أنا الثمن لنتائج خطية آدم، إلا إذا وفر الله لي حلا مجانيًا متاحًا بشكل متساوي لجميع البشر دون تمييز. فإذا كابد شرطي أضرارًا جسيمة في سيارته الخاصة بسبب تأديته للخدمة الأمنية منها، ليس من العدل أن يدفع هو بشكل شخصي ثمن الأضرار الأمنية؛ إلا إذا وهبته الدولة سيارة جديدة عوضًا عنها؛ عندها سوف لا يكون هذا ظلم؛ خاصة إذا وهبته سيارة أفضل منها؛ كما فعل الله للبشر من خلال كفارة المسيح. فهذا ما فعله الله تمامًا، وفر للبشر تلك الإمكانية للنجاة من الجحيم وعقاب الخطية. وهذا ما يؤكده وحي رومية 5، لكي يفسر لنا لماذا بادر الله بخلاص مجاني لجميع البشر بغنى نعمته:
" 15 وَلَكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هَكَذَا أَيْضاً الْهِبَةُ (يعني الهبة فاقت بكثير مقدار الخطية). لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً نِعْمَةُ اللهِ وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ. 16 وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هَكَذَا الْعَطِيَّةُ. لأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ وَأَمَّا الْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ. 17 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ." رومية 5.
جدير بالذكر أن الكثير من النقاد يرفضون فكرة خلاص المسيح المجاني، لأنهم لا يفهمون السبب المنطقي له!! لذلك يجب أن يقرأوا النقطة السابقة لكي يفهموا أن الله في خلاص المسيح المجاني، قد قدم قمة العدالة والأنصاف للبشر من الذي نالوه بسبب قرار آدم الخاطئ؛ وحتى بحسب غنى نعمته، قدم الله للبشر أكثر جدًا مما يستحقون.
سنتابع في المقال القادم، الرد على ثلاث اعتراضات أخرى