عرفت هذا الاسم منذ الطفولة، ولكن لم أرَ وجهها حتى اليوم، أو هكذا خُيّل لي وقد بلغت الخمسين من عمري. كل يوم كنت أسمع خبراً جديداً عن أم سرحان هذه. مرةً قالوا أنها سافرت مع شعاع الشمس وصارت جزءاً منها، وفي أخرى حدثوني أن كل الحقول والوديان والجبال والميادين تتغذى من دمها، لذلك كان اللون الغالب في الورد هو الأحمر. وقالوا كذلك أن شمسنا عند كل شروق ترسل في البداية أشعة ممزوجة بِحُمرة دمها، لكن اللهب الشديد سرعان ما يقلب اللون إلى الأصفر.
ومع الأيام أخذت أدرس علم الأساطير فأيقنت أنها أسطورة، وإلا فماذا يعني السفر إلى الشمس والالتحام بها؟ ولكن عندما افتـقدني الرب يسوع المسيح وأصبحت ابناً لله بإيماني به، فإن ما كان يقيناً عندي أصبح الأسطورة. وأخذت أفهم معنى أحاديث الناس عن أم سرحان، هذه الأحاديث التي ازدادت هذه الأيام، وكلها أحاديث عن المحبة العاملة بروح العطاء.
روى طفل من حارتنا أنها مرت عليه هذا الصباح، وكان يجلس وحيداً في الزقاق، اقتربت منه وناولته رغيف طابون مُغمس بالزيت والزعتر، ثم انصرفت.
قال لي جارنا أبو الياس أنه رآها أثناء عمله في ورشة البناء في رام الله عصر الأمس، وأنه لحظتها كان يحمل على كتفه حجر بناء أبيض إلى الطابق السابع من العمارة. حَيّته بابتسامة عذبة وحملت الحجر معه حتى المدماك.
سعيد الذي يعمل في "مخبز المصرارة" في القدس الشرقية روى كيف أن أم سرحان جاءته، وكان يتصبب عرقاً من لهيب الفرن، وناولته كأس شراب مثلج، وقالت له أنه من ليمون العوجا في الأغوار، ومياه بركة سليمان على طريق الخليل -بيت لحم، ثم مسحت جبينه بخرقتها البيضاء وانصرفت.
وأخبرتني أم العبد أن ذراعها زادت أوجاعه ظهر هذا اليوم من العمل المتواصل على ماكينة النسيج في مصنع بيت ساحور، وكيف أنها شاهدت أم سرحان تدخل المصنع، وتتوجه إلى المراقب تسأله أن تعمل بدلاً من أم العبد، ريثما يهدأ الوجع في ذراع الأخيرة، وكيف اشتغلت مدة ثلاث ساعات كاملة.
وأغرب رواية تقول أن كل الوحوش والديدان والعناكب وآكلي لحوم البشر، هجموا عليها يوماً بالصواريخ والنابالم والطائرات المقاتلة والقنابل العنقودية والفسفورية والكيماوية، وأن الهجوم طال لسنوات، وصمدت أم سرحان مرفوعة الهامة، في حين ظلت الشمس تعكس أشعتها على جبينها الناصع، وبقيت أم سرحان تردد طوال الوقت: "الله محبة".
ملاحظة: ام سرحان هي المحبة العاملة بروح العطاء هي كل مسيحي عامل بكلمة الله